مقدمة:

فحص سرعة الترسيب (Erythrocyte Sedimentation Rate - ESR) هو تحليل دم شائع يستخدم على نطاق واسع في المجال الطبي كأداة تشخيصية غير محددة. بمعنى آخر، لا يشير الفحص إلى مرض معين بذاته، بل يساعد الأطباء في الكشف عن وجود التهاب في الجسم، وتتبع تطوره، وتقييم فعالية العلاج. هذا المقال يقدم شرحاً مفصلاً لفحص ESR، بدءًا من مبادئه العلمية مرورًا بالعوامل المؤثرة عليه، وكيفية إجرائه، وتفسير النتائج، وصولًا إلى أمثلة واقعية عن استخداماته السريرية.

1. المبادئ العلمية لفحص ESR:

يعتمد فحص ESR على قياس سرعة ترسب خلايا الدم الحمراء (كرات الدم الحمراء) في أنبوب اختبار مملوء بدم مضاد للتخثر (عادةً إيثيلين ثنائي أمين رباعي حمض الأسيتيك - EDTA) خلال ساعة واحدة.

لماذا تترسب خلايا الدم الحمراء؟ تعتبر خلايا الدم الحمراء سالبة الشحنة، مما يجعلها تتنافر مع بعضها البعض وتمنع تجمعها. ولكن في وجود الالتهاب، تزداد مستويات بروتينات حادة الطور (Acute Phase Proteins) في الدم، مثل الفيبرينوجين والجلوبولينات المناعية. هذه البروتينات تقلل الشحنة السالبة على سطح خلايا الدم الحمراء، مما يسمح لها بالتجمع مع بعضها البعض وتشكيل "تكتلات" أو "كومات". هذه التكتلات أثقل من الخلايا الفردية، وبالتالي تترسب بشكل أسرع نحو قاع الأنبوب.

كيف يتم قياس سرعة الترسيب؟ يتم وضع عينة الدم في أنبوب اختبار خاص (Westergren tube) ويترك للترسيب لمدة ساعة واحدة. يتم قياس المسافة التي قطعتها خلايا الدم الحمراء من الجزء العلوي من الأنبوب إلى الجزء السفلي خلال هذه الفترة بالملليمترات (mm/hr). كلما زادت المسافة، زادت سرعة الترسيب، مما يشير إلى وجود التهاب أو حالة مرضية أخرى.

أهمية استخدام مضاد للتخثر: يمنع استخدام مضاد للتخثر تجلط الدم في الأنبوب، والذي قد يؤثر على دقة القياس.

2. العوامل المؤثرة على فحص ESR:

هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على نتائج فحص ESR، مما يجعل تفسيرها معقدًا بعض الشيء. يجب على الأطباء أخذ هذه العوامل في الاعتبار عند تقييم النتائج:

العمر والجنس: تزداد قيم ESR بشكل طبيعي مع التقدم في العمر. كما أن النساء عادةً ما يكون لديهن قيم ESR أعلى قليلاً من الرجال بسبب الاختلافات الهرمونية.

الحمل: يزداد ESR بشكل كبير خلال فترة الحمل، خاصة في الثلث الثاني والثالث، بسبب التغيرات الفسيولوجية والهرمونية التي تحدث في الجسم.

فقر الدم (Anemia): يمكن أن يؤدي فقر الدم إلى زيادة قيم ESR، حتى في غياب الالتهاب.

الأمراض المزمنة: العديد من الأمراض المزمنة، مثل أمراض الكلى وأمراض القلب والأوعية الدموية، يمكن أن تؤثر على قيم ESR.

بعض الأدوية: يمكن لبعض الأدوية، مثل الستيرويدات غير القشرية (NSAIDs) ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، أن تقلل من قيم ESR.

الترطيب: يمكن للجفاف أن يزيد من قيم ESR.

الوقت بين سحب العينة وإجراء الفحص: يجب إجراء فحص ESR في غضون ساعتين من سحب عينة الدم للحصول على نتائج دقيقة.

3. كيفية إجراء فحص ESR:

فحص ESR هو تحليل دم بسيط وغير مؤلم. إليك الخطوات المتبعة:

1. تحضير المريض: لا يتطلب الفحص عادةً أي تحضيرات خاصة، ولكن قد يطلب الطبيب من المريض الصيام لمدة قصيرة قبل سحب الدم.

2. سحب عينة الدم: يتم سحب عينة دم وريدية (من الوريد) بواسطة فني مختبر مدرب.

3. خلط العينة مع مضاد للتخثر: يتم خلط عينة الدم فورًا مع كمية مناسبة من مضاد التخثر (EDTA).

4. ملء أنبوب Westergren: يتم ملء أنبوب Westergren بالدم المخلوط بمضاد التخثر وفقًا لإرشادات الشركة المصنعة.

5. وضع الأنبوب في حامل عمودي: يتم وضع الأنبوب في حامل خاص بحيث يكون عموديًا تمامًا.

6. قياس المسافة المترسبة: بعد ساعة واحدة، يتم قياس المسافة التي قطعتها خلايا الدم الحمراء من الجزء العلوي من الأنبوب إلى الجزء السفلي بالملليمترات (mm/hr).

4. تفسير نتائج فحص ESR:

تختلف القيم الطبيعية لفحص ESR باختلاف العمر والجنس. بشكل عام:

الرجال: 0-15 مم/ساعة

النساء: 0-20 مم/ساعة

ومع ذلك، يجب دائمًا تفسير النتائج في سياق الصورة السريرية الكاملة للمريض وعوامل أخرى (مثل العمر والجنس والأمراض المزمنة).

ESR مرتفع: يشير إلى وجود التهاب أو حالة مرضية أخرى. يمكن أن تشمل الأسباب:

العدوى: الالتهابات البكتيرية والفيروسية والفطرية.

الأمراض المناعية الذاتية: مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والذئبة الحمامية الجهازية.

أمراض الأوعية الدموية: مثل الشريان الصدغي (Temporal arteritis) والتهاب الشرايين.

السرطان: بعض أنواع السرطان، مثل الورم النقوي المتعدد.

الحمل.

بعض الأمراض المزمنة: مثل أمراض الكلى وأمراض القلب والأوعية الدموية.

ESR منخفض: نادراً ما يكون ESR منخفضًا بشكل كبير، ولكنه قد يحدث في حالات مثل:

فقر الدم المنجلي.

كثرة كريات الدم الحمراء (Polycythemia).

بعض أمراض الكبد.

5. أمثلة واقعية لاستخدامات فحص ESR السريرية:

تشخيص التهاب الشريان الصدغي: يستخدم ESR بشكل روتيني في تشخيص هذا المرض، حيث يكون ESR مرتفعًا جدًا في معظم الحالات.

تتبع تطور التهاب المفاصل الروماتويدي: يمكن استخدام ESR لمراقبة استجابة المريض للعلاج وتقييم فعاليته. انخفاض ESR يشير إلى تحسن الحالة، بينما ارتفاعه يشير إلى تفاقمها.

الكشف عن العدوى: على الرغم من أن ESR ليس اختبارًا محددًا للعدوى، إلا أنه يمكن أن يساعد في الكشف عن وجود التهاب ناتج عن عدوى.

تشخيص الورم النقوي المتعدد: غالبًا ما يكون ESR مرتفعًا جدًا في المرضى الذين يعانون من الورم النقوي المتعدد.

تقييم آلام الظهر غير المحددة: يمكن استخدام ESR كجزء من مجموعة من الاختبارات لتقييم سبب آلام الظهر المزمنة واستبعاد الأمراض الالتهابية.

الكشف عن حالات التهابية مبكرة: في بعض الحالات، قد يرتفع ESR قبل ظهور أعراض واضحة للالتهاب، مما يسمح بالتشخيص المبكر والبدء بالعلاج المناسب.

6. القيود والمستقبل:

على الرغم من فائدة فحص ESR كأداة تشخيصية، إلا أنه يعاني من بعض القيود:

غير محدد: لا يشير ESR إلى سبب الالتهاب، بل فقط إلى وجوده.

يتأثر بالعديد من العوامل: كما ذكرنا سابقًا، يمكن للعديد من العوامل أن تؤثر على نتائج ESR، مما يجعل تفسيرها معقدًا.

بطء الاستجابة: قد يستغرق ESR بعض الوقت للاستجابة للتغيرات في الحالة المرضية.

في السنوات الأخيرة، ظهرت اختبارات أكثر تحديدًا لقياس الالتهاب، مثل بروتين سي التفاعلي (C-Reactive Protein - CRP). ومع ذلك، لا يزال فحص ESR تحليلًا مفيدًا وغير مكلف يستخدم على نطاق واسع في الممارسة السريرية. تشير الأبحاث المستقبلية إلى تطوير طرق جديدة لتحسين دقة فحص ESR وتقليل تأثير العوامل المؤثرة عليه.

خلاصة:

فحص سرعة الترسيب (ESR) هو تحليل دم بسيط وغير مكلف يمكن أن يوفر معلومات قيمة حول وجود التهاب في الجسم. على الرغم من أنه ليس اختبارًا محددًا، إلا أنه يمكن استخدامه كأداة تشخيصية مهمة جنبًا إلى جنب مع الاختبارات الأخرى للمساعدة في تشخيص مجموعة متنوعة من الحالات المرضية وتتبع تطورها وتقييم فعالية العلاج. من الضروري تفسير نتائج ESR في سياق الصورة السريرية الكاملة للمريض وعوامل أخرى لضمان التشخيص الدقيق والعلاج المناسب.