مقدمة:

يعد تحديد عدد السكان بدقة تحديًا عالميًا، خاصةً في الدول التي تشهد تقلبات سياسية واجتماعية واقتصادية. العراق ليس استثناءً من ذلك، حيث شهدت البلاد عقودًا من الحروب والصراعات والهجرة الداخلية والخارجية، مما أثر بشكل كبير على دقة الإحصاءات السكانية. هذا المقال يهدف إلى تقديم تحليل شامل ومفصل لعدد سكان العراق، مع الأخذ في الاعتبار التحديات التي تواجه عملية التعداد، واستعراض البيانات المتاحة من مصادر مختلفة، وتقديم تقديرات واقعية لحجم السكان حتى عام 2023/2024.

1. التحديات التي تواجه تعداد السكان في العراق:

غياب التعداد الرسمي الشامل منذ عام 1987: آخر تعداد رسمي وشامل للسكان في العراق أُجري عام 1987، أي قبل أكثر من ثلاثة عقود. هذا الغياب الطويل يجعل الاعتماد على البيانات القديمة غير دقيق وغير موثوق به، نظرًا للتغيرات الديموغرافية الكبيرة التي حدثت منذ ذلك الحين.

الصراعات والحروب: شهد العراق حروبًا وصراعات متعددة، بدءًا من الحرب مع إيران في الثمانينات، مرورًا بحرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي، وصولًا إلى الغزو الأمريكي عام 2003 والحرب الأهلية الطائفية. هذه الأحداث أدت إلى نزوح وتشريد الملايين من السكان، مما يجعل تتبعهم وإحصائهم أمرًا صعبًا للغاية.

الهجرة الداخلية والخارجية: شهد العراق موجات هجرة كبيرة بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة. هاجر العديد من العراقيين إلى دول أخرى بحثًا عن الأمان والفرص الاقتصادية، بينما نزح آخرون داخل البلاد بسبب العنف والصراعات. هذا التدفق المستمر للهجرة يجعل تقدير عدد السكان أمرًا معقدًا.

المنطقة الحدودية المتنازع عليها: هناك مناطق حدودية متنازع عليها بين العراق ودول الجوار (خاصةً تركيا وإيران)، مما يثير صعوبات في تحديد الجنسية والانتماء السكاني للسكان المقيمين في هذه المناطق.

عدم وجود سجلات سكانية موثوقة: تعاني العراق من ضعف في نظام التسجيل المدني، وعدم وجود قاعدة بيانات مركزية وموثوقة لتسجيل المواليد والوفيات والهجرة. هذا النقص في البيانات يجعل عملية التعداد أكثر صعوبة وتكلفة.

التحديات الأمنية: في بعض المناطق، لا تزال الظروف الأمنية غير مستقرة، مما يعيق وصول فرق التعداد إلى السكان وجمع البيانات بدقة.

2. تقديرات عدد السكان من مصادر مختلفة:

نظرًا لغياب التعداد الرسمي الشامل، تعتمد الجهات المعنية على تقديرات من مصادر مختلفة لتحديد حجم السكان في العراق. فيما يلي بعض المصادر الرئيسية:

الأمم المتحدة (UN): تقدم الأمم المتحدة تقديرات دورية لعدد سكان العراق من خلال قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية. تشير تقديرات الأمم المتحدة لعام 2023 إلى أن عدد سكان العراق يبلغ حوالي 45.5 مليون نسمة.

البنك الدولي (World Bank): يقدم البنك الدولي أيضًا تقديرات لعدد السكان كجزء من بياناته الاقتصادية والاجتماعية. تشير تقديرات البنك الدولي لعام 2023 إلى أن عدد سكان العراق يبلغ حوالي 44.9 مليون نسمة.

وزارة التخطيط العراقية: تقوم وزارة التخطيط العراقية بتقديم تقديرات دورية للسكان بناءً على البيانات المتاحة من مصادر مختلفة، مثل التسجيل المدني والمسوحات العينية. تشير تقديرات الوزارة لعام 2023 إلى أن عدد سكان العراق يبلغ حوالي 46 مليون نسمة.

الوكالات الإنسانية: تقوم الوكالات الإنسانية العاملة في العراق بجمع البيانات السكانية كجزء من برامجها الإغاثية والتنموية. هذه البيانات يمكن أن توفر معلومات قيمة حول التوزيع السكاني والاحتياجات الأساسية للسكان.

المسوحات العينية المحدودة: أجرت بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية مسوحات عينية محدودة في مناطق معينة من العراق، مما يوفر بيانات أكثر تفصيلاً حول التركيبة السكانية والخصائص الاجتماعية والاقتصادية للسكان.

3. التوزيع الجغرافي للسكان:

يتوزع السكان في العراق بشكل غير متساوٍ بين المحافظات المختلفة. فيما يلي توزيع تقديري للسكان حسب المحافظة (اعتبارًا من عام 2023):

| المحافظة | عدد السكان التقريبي | النسبة المئوية من إجمالي السكان |

|---|---|---|

| بغداد | 8,794,000 | 19.3% |

| نينوى | 3,685,000 | 8.1% |

| البصرة | 2,898,000 | 6.4% |

| أربيل | 2,570,000 | 5.6% |

| السليمانية | 2,300,000 | 5.1% |

| محافظة كربلاء | 2,089,000 | 4.6% |

| محافظة النجف | 1,787,000 | 3.9% |

| محافظة الأنبار | 1,760,000 | 3.9% |

| محافظة واسط | 1,526,000 | 3.4% |

| محافظة ميسان | 1,438,000 | 3.2% |

| محافظة ديالى | 1,378,000 | 3.0% |

| محافظة بابل | 1,296,000 | 2.8% |

| محافظة صلاح الدين | 1,254,000 | 2.8% |

| محافظة كركوك | 1,237,000 | 2.7% |

| محافظة ذي قار | 1,212,000 | 2.7% |

| محافظة المثنى | 659,000 | 1.4% |

| المجموع | 45,500,000 | 100% |

لاحظ أن هذه الأرقام هي تقديرات وقد تختلف قليلاً حسب المصدر.

4. التركيبة السكانية:

الشباب: يشكل الشباب (الفئة العمرية بين 15 و 29 عامًا) نسبة كبيرة من سكان العراق، حيث يمثلون حوالي 37% من إجمالي السكان. هذه النسبة العالية من الشباب تشير إلى أن العراق لديه إمكانات كبيرة للنمو الاقتصادي والاجتماعي إذا تم توفير الفرص المناسبة لهم.

التحضر: يشهد العراق زيادة في نسبة التحضر، حيث يعيش حوالي 75% من السكان في المناطق الحضرية. هذا الاتجاه يضع ضغوطًا على البنية التحتية والخدمات الأساسية في المدن.

الجنس: يتوزع السكان بين الذكور والإناث بنسبة متقاربة، حيث يشكل الذكور حوالي 51% من إجمالي السكان، بينما تشكل الإناث حوالي 49%.

المجموعات العرقية والدينية: يتكون المجتمع العراقي من عدة مجموعات عرقية ودينية رئيسية، بما في ذلك العرب والأكراد والتركمان والآشوريين والمسيحيين والمسلمين (السنة والشيعة). هذه التنوع السكاني يمثل ثراءً ثقافيًا واجتماعيًا، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى توترات وصراعات.

5. معدلات النمو السكاني:

يشهد العراق معدل نمو سكاني مرتفع نسبيًا مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة. يقدر معدل النمو السكاني الحالي بحوالي 2.5% سنويًا. هذا المعدل يعني أن عدد السكان يتضاعف كل 28 عامًا تقريبًا. يُعزى هذا النمو السكاني المرتفع إلى عدة عوامل، بما في ذلك ارتفاع معدل المواليد وانخفاض معدل الوفيات.

6. أمثلة واقعية لتأثير التغيرات الديموغرافية:

تزايد الطلب على الخدمات الأساسية: بسبب النمو السكاني السريع، يزداد الطلب على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والإسكان والمياه والصرف الصحي. هذا يؤدي إلى ضغوط على الموارد الحكومية ويصعب توفير هذه الخدمات بشكل كافٍ لجميع السكان.

ارتفاع معدلات البطالة: مع زيادة عدد الخريجين الجدد في سوق العمل، يرتفع معدل البطالة بين الشباب. هذا يشكل تحديًا كبيرًا للحكومة ويتطلب اتخاذ إجراءات فعالة لخلق فرص عمل جديدة.

تغير التركيبة العمرية: مع تقدم السكان في العمر وزيادة متوسط العمر المتوقع، يتغير التركيب العمري للسكان. هذا يؤدي إلى زيادة نسبة كبار السن وانخفاض نسبة الشباب، مما يضع ضغوطًا على نظام التقاعد والرعاية الصحية.

الهجرة الداخلية والخارجية: تؤثر الهجرة الداخلية والخارجية على التوزيع الجغرافي للسكان والتركيبة السكانية للمناطق المختلفة. الهجرة من المناطق الريفية إلى المدن تزيد من كثافة السكان في المدن وتؤدي إلى ظهور أحياء عشوائية. الهجرة الخارجية تؤدي إلى فقدان الكفاءات والمهارات اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

7. خطط التعداد المستقبلي:

تدرك الحكومة العراقية أهمية إجراء تعداد رسمي وشامل للسكان لتوفير بيانات دقيقة وموثوقة تساعد في عملية التخطيط والتنمية. تم الإعلان عن خطط لإجراء تعداد سكاني جديد في عام 2024، ولكن قد تتأخر هذه الخطة بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة. يتطلب إجراء التعداد تعبئة موارد مالية وبشرية كبيرة، بالإضافة إلى ضمان الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد.

8. الخلاصة:

تحديد عدد سكان العراق بدقة يمثل تحديًا كبيرًا نظرًا للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. على الرغم من غياب التعداد الرسمي الشامل منذ عام 1987، تشير التقديرات المتاحة من مصادر مختلفة إلى أن عدد السكان حاليًا يتراوح بين 45 و 46 مليون نسمة. يشهد العراق نموًا سكانيًا مرتفعًا نسبيًا وتغيرات ديموغرافية كبيرة تؤثر على جميع جوانب الحياة في البلاد. إجراء تعداد رسمي وشامل للسكان هو خطوة ضرورية لتوفير بيانات دقيقة وموثوقة تساعد في عملية التخطيط والتنمية وتحسين مستوى معيشة جميع العراقيين.

9. مصادر إضافية:

[https://www.un.org/development/desa/pd/data/population-projections/](https://www.un.org/development/desa/pd/data/population-projections/)

[https://data.worldbank.org/indicator/SP.POP.TOTL](https://data.worldbank.org/indicator/SP.POP.TOTL)

[https://www.dosiraq.gov.iq/](https://www.dosiraq.gov.iq/) (جهاز الإحصاء المركزي العراقي - الموقع الرسمي)

آمل أن يكون هذا المقال شاملاً ومفيدًا للقراء من جميع الأعمار.